لم يعد الصراع الإيراني الإسرائيلي في طور المواجهات المتبادلة بين طهران وتل أبيب فحسب، بل انتقل خلال الساعات الأخيرة إلى مستوى جديد وخطير مع التدخل المباشر للولايات المتحدة عبر ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية حساسة. الضربات الأميركية، التي وُصفت بأنها الأوسع منذ سنوات، استهدفت مواقع في نطنز وفردو وأصفهان، مستخدمة قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ توماهوك في عملية حملت اسم “مطرقة منتصف الليل”.
هذه الخطوة تمثل تحولاً عميقاً في الاستراتيجية الأميركية. فبعد أن كانت واشنطن تحصر دعمها في مساعدة إسرائيل على التصدي للهجمات الصاروخية الإيرانية، نجدها اليوم تخوض الهجوم بنفسها، معلنة صراحة أنها تهدف إلى تقويض قدرات طهران النووية ومنعها من تحقيق أي مكاسب عسكرية في خضم هذا التصعيد. تصريحات الإدارة الأميركية حاولت أن ترسم حدوداً واضحة لما حدث: “ليست حرباً شاملة، ولا سعياً لإسقاط النظام الإيراني”، لكن في المقابل، الرسالة الأهم وصلت إلى إيران: من الآن فصاعداً، أي تهديد يتجاوز الخطوط الحمراء سيُقابل بالقوة.
في الجانب الإيراني، كان الرد سياسياً وعسكرياً على حد سواء. طهران وصفت الضربات بأنها “جريمة دولية وانتهاك للسيادة”، ولوّحت بـ”عواقب دائمة”. إلى جانب الردود الدبلوماسية الغاضبة، أطلقت القوات الإيرانية عشرات الصواريخ على أهداف إسرائيلية خلال الساعات الماضية، وذهبت أبعد من ذلك عبر التلويح بإغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي لنقل النفط إلى الأسواق العالمية. مجرد التهديد بإغلاق هذا المضيق، الذي يمر عبره ثلث إمدادات الطاقة العالمية، كان كفيلاً بإحداث قلق في أسواق المال والطاقة.
التحركات الأميركية وضعت المجتمع الدولي أمام معادلة جديدة. أوروبا دعت إلى التهدئة، الصين وروسيا أعربتا عن قلق بالغ من انزلاق الوضع إلى مواجهة إقليمية شاملة. في الأوساط السياسية الأميركية، ظهر الانقسام المتوقع: الجمهوريون هللوا للعملية العسكرية، بينما أعرب عدد من الديمقراطيين عن قلقهم من صلاحيات الرئيس في شن هجمات واسعة دون العودة إلى الكونغرس.
لكن الأهم من ردود الأفعال، هو حجم التحوّل في المشهد الإستراتيجي للمنطقة. الولايات المتحدة انتقلت من “دور الضامن” إلى “دور اللاعب الفاعل”، ما يجعل هامش التصعيد أكبر من أي وقت مضى. إيران من جهتها، إن أقدمت على إغلاق هرمز أو استهداف مصالح أميركية مباشرة، فإن ذلك سيدفع واشنطن إلى جولة أوسع من الضربات قد لا يكون من السهل احتواؤها.
نحن الآن أمام مفترق طرق خطير. فإما أن تسود لغة التهدئة وتحركات الدبلوماسية العاجلة، أو أن تنزلق المنطقة إلى صراع مفتوح قد يُعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط لعقود قادمة. الساعات القليلة المقبلة ستكشف أي طريق ستسلكه العواصم المعنية.