في مشهدٍ يعكس التحول العميق الذي تعرفه منظومة التربية والتكوين بالمغرب، تواصل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان الحسيمة، تحت إشراف الدكتورة وفاء شاكر، ترسيخ مقاربة نوعية جديدة تُعيد الاعتبار لدور المرأة كفاعل رئيسي في قيادة الإصلاح التربوي وتعزيز العدالة المجالية والاجتماعية في التعليم.
ففي إطار الزيارات الميدانية الهادفة إلى تتبع سير العملية التربوية، قامت المديرة الجهوية رفقة المديرة الإقليمية لوزان والوفد المرافق لهما، يوم الأربعاء 5 نونبر 2025، بزيارة ميدانية لعدد من المؤسسات التعليمية بالإقليم، من بينها مدرسة محمد بن الحسن الوزاني ومجموعة مدارس سيدي علي بجماعة مصمودة.
الزيارة لم تكن مجرد تفقد إداري، بل تجسيد عملي لفلسفة القرب والتفاعل الاجتماعي التي باتت تميز العمل التربوي النسائي، حيث تم الوقوف على الدينامية التربوية والأنشطة البيداغوجية المنجزة، إلى جانب تتبع جهود تأهيل الفضاءات التعليمية وتحسين ظروف التعلم.
وفي لقاء تواصلي احتضنته مجموعة مدارس سيدي علي الرائدة، جمعت المديرة الجهوية بأمهات وآباء وأولياء أمور التلاميذ، تم التأكيد على أهمية الشراكة التربوية بين المدرسة والأسرة باعتبارها رافعة اجتماعية لتقليص الفوارق وتحقيق تكافؤ الفرص.
وقد شكّل هذا اللقاء، من منظور سوسيولوجي، فضاءً للتفاعل بين مختلف مكونات الحقل التربوي والاجتماعي، حيث أعادت المرأة القائدة — من موقعها الإداري — إنتاج معنى “السلطة التربوية” بوصفها سلطة تواصلية قائمة على الثقة والاعتراف المتبادل، لا على الهرمية أو المركزية التقليدية.
هذا التوجه ينسجم مع الرؤية الاستراتيجية للوزارة التي جعلت من إدماج مقاربة النوع الاجتماعي إحدى أولوياتها منذ 2017، مستنيرة بالتوجيهات الملكية السامية التي تؤكد المكانة المحورية للمرأة في التنمية المجتمعية.
فالوثيقة المرجعية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية حول مكانة الفتاة والمرأة داخل المنظومة التربوية، تكشف بالأرقام عن تحول ملموس في تمثيلية النساء داخل مختلف أسلاك التعليم والإدارة: ارتفاع نسبة المدرسات إلى أزيد من 118 ألف سنة 2020، وتنامي حضورهن في مناصب المسؤولية، حيث بلغ عددهن في مواقع التدبير والتسيير 113 امرأة على المستويات المركزي والجهوي والإقليمي.
كما أن ارتفاع نسب تمدرس الفتيات في الوسط القروي وتقلص الهدر المدرسي، يعكسان بوضوح الأثر الاجتماعي لقيادات نسائية جعلت من المدرسة فضاءً للرعاية والمواكبة قبل أن تكون مؤسسة للتلقين.
إن ما تقوم به الدكتورة وفاء شاكر ومن معها من أطر نسائية قيادية لا يندرج فقط في سياق إداري محض، بل يمثل تحولاً سوسيولوجياً في بنية السلطة التعليمية بالمغرب: انتقال من “المدير المراقب” إلى “المديرة القائدة”، التي تجمع بين الكفاءة المهنية والحس المجتمعي، وتؤمن بأن إصلاح المدرسة يمر عبر الإنسان — معلماً كان أو تلميذاً أو ولي أمر.
وفي ختام زيارتها، شاركت المديرة الجهوية تلاميذ التعليم الأولي احتفالهم بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، في لحظة رمزية أكدت أن بناء الأجيال ليس فقط عبر الكتب، بل عبر زرع قيم المواطنة والانتماء والكرامة.
بهذا المعنى، لا تُجسد المرأة اليوم في قطاع التربية مجرد حضورٍ عددي، بل فاعلية قيادية تُعيد تعريف أدوارها داخل المجتمع، وتُبرهن أن الإصلاح التربوي في المغرب لن يكتمل إلا حين تصبح المدرسة مرآة لعدالة النوع ورافعة لتحول ثقافي أعمق نحو المساواة والتنمية.

